الأخفياء الأنقياء


صادفني اليوم موقف جعلني اقف وافكر مليا في اختيار كل إنسان لدوره بين الناس . كنت في كليتي قمت بعمل بحث على فلاش ميموري وانتظرت حتى اذهب للكلية واطبعه بها فلما ذهبت اكتشفت أن الكلية قد اغلقت المركز الخاص بتصوير وطباعة الأبحاث للطلاب وكان يلزم ان اسلمه اليوم للدكتور ، ومن المعروف أن كل موظف عنده جهاز كمبيوتر في مكتبه ملحق بطابعة فأخذت استأذن الموظفين لمساعدتي في طباعة البحث فرفضوا جميعا رغم أن الأمر لا يكلفهم لا وقت ولا جهد ، وبعد أن سلمت أمري لله وتيقنت أن الله سوف يدبر لي أمري ، نصحني زميل لي أن اذهب للأستاذ أحمد سالم رئيس شئون الطلبة وهو معروف أنه انسان محترم ومتعاون ، ذهبت له وعندما طلبت منه أن استخدم طابعته لطباعة البحث رحب بشدة وطبع لي البحث في أقل من دقيقة !!
عمل بسيط والأمر لم يكلفه شئ مجرد ابتسامة ومرونة في التعامل ولكن يسر علي كرب حقيقي وجعلني اسلم بحثي في ميعاده ، وبعد ان كنت منزعجة من عدم تمكني من طباعة البحث أصبحت سعيدة جدا وممتنة له هذا العمل وجعلني بدون أن اشعر أدعو له طول اليوم أن يكرمه الله وييسر له أموره وأن يرزقه الجنة بطيب خلقه وحسن معاملته لكل الناس .
وحضرني معنى جبر الخواطر ، واستشعرت اسم الله " اللطيف " فهذا عبد من عباد الله كان لطيف في خلقه ومعاملته وادخل السرور على كثير من الناس بمرونته في التعامل ولطفه ولا نزكيه على الله فكيف بك يا الله وانت رب العالمين ، يا ترى كيف يكون لطف الله علينا وهو اللطيف !!
شعرت في هذه اللخظة كيف أن الإنسان منا يفوته كثير من الثواب ومواضع كثيرة يمكن أن ينظر الله لنا فيها نظرة رضا بتيسير الأمور على العباد والتذكر دائما أننا نعامل الله وليس العباد .
فكم مشاكل كانت بسبب سوء الخلق والمعاملة؟ كم يكره أناس كثير موظفين الحكومة بسبب وجوههم العبسة وطريقتهم المنفرة في التعامل ؟ كم كانت من مشاكل بين زوجين ورغم أن أحدهما على حق ولكن اسلوبه منفر وبخيل الخلق .
كم سيكون العالم أبسط اذا كنا كرماء الخلق ؟ كلما كبرت أشعر أن هناك معاني خفية وعميقة في تفاصيل كثيرة ونزعم أن الحياة غاية في التعقيد ولكن بسيطة بساطة لأ تخطر لنا على بال ، ربما نحن من نميل إلى التعقيد على سبيل إقناع أنفسنا اننا نشقى في الحياة .
فكم من إبتسامة لإنسان لا تعرفه في وجهك ذات يوم يغير لك من نفسيتك هذا اليوم وينعكس ذلك على محيط من تتعامل معهم ،كم من كلمة رقيقة لطيفة تكن كنسمة هواء على اشعث أغبر ملأه غبار الإبتلاءات . وبالعودة إلى سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم نجد أنه أسر القلوب برقته كرم خلقه وكيف أن الله أقر في القرآن خلقه " وإنك لعلى خلق عظيم " واستطاع المشركين أن يشككوا في نبوته وكذبوه ولكن ما استطاعوا أن يشككوا في خلقه ولم يجرؤ أحدهم أن يطعن في خلقه عليه الصلاة والسلام .
ممكن أن كثير منا يعلم سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولكن يمكن أننا نحتاج أن نرى من يعيش وسطنا بخلق رسولنا أو بعض خلقه ليشجعنا على كرم الخلق مثل الأستاذ أحمد سالم في كليتي .
يجتهد الكثير في تنميق الكلام لإلقاء خطبة أو درس أو موعظة على زملائة ليذكرهم بالله أو يحثهم على الإلتزام وهو أمر لا بأس به ولكننا ننسى أن نكون نحن القدوة أن نسمع الموعظة ونطبقها على أنفسنا ونسير بين الناس بخلق رسول الله ، نحتاج أن نكف قليلا عن الكلام وننتبه أكثر إلى أفعالنا .
تذكرت موقف في رمضان الماضي في المترو وكانت هناك سيدة خمسينية تقرأ القرآن طوال الطريق وطفل مع أمه يلعب إلى جانبها فنطرت إليه بعضب وكلمته بغلظة شديدة ليكف عن اللعب وتستطيع أن تقرأ القرآن !!
موقف بسيط مر على الطفل وربما لم يدركه وهي رأت أن هذا أمرطبيعي ولكن من منظر آخر اذا ابتسمت في وجهه وكلمته برقه أن اجلسته إلى جانبها برفق ربما يتملكه الشغف ماهذا الكتاب الذي تقرأ فيه هذه المرآة اللطيفة ربما يقع في قلبه حب القرآن وحب من يلتزمون بدين الله ويواظبون على قراءة القرآن حتى في الأوقات الضائعة في المواصلات .
كم من أمراض نفسية وأنفس محطمة بكلمة لم يرمى صاحبها لها بالا حين قالها ولكن حطمت القلوب وكسرت النفوس !!
بعدما أثر في أستاذ أحمد سالم عاهدت الله أن احاول جاهدة أن أبسط على نفسي الأمور وعلى من حولي واسير بين الناس جابرا للخواطر .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مذكرة فقه اليوم والليلة (مذكرة مكاني )

عن سحر الكتابة اكتب .... (خواطر)