العلاقات والمساحات الشخصية



هناك علاقات مرهقة نفسيا على الفرد منا ، تشعرك انك تختنق تريد أن تتنفس خارج هذا الإطار ، تريد أن تقول للطرف الآخر كم انت تحبه لكنك تريد أن تأخد مساحتك الشخصية ، تريد أن تتنفس خارج قوقعة علاقتكم التي وضعتم أنفسكم بها . تخرج العلاقة من طور النمو إلى محاولة شخص أن يقيد الشخص الآخر ويتتبع كل تفاصيل حياته ومحاولة الشخص الآخر الفرار من هذا اللحاق المتكرر وينتهى الحال إلى أن يثأم الشخص الآخر من تقييد حريته بهذا الشكل ويختنق من كثرة اللحاق به وفي الغالب لا تستمر العلاقات بهذا الشكل .
الكثير من الأشخاص يظنون أن الحب أو الصداقة أن نمضي كل أوقاتنا سويا ، أن تعرف عني كل تفاصيل حياتي ، والأسوأ على الاطلاق عندما يكون أثنان متزوجان مثلا يظن أحداهما وغالبا ما يكون الرجل أنه يجب التضييق على زوجته أو مخطوبته ليثبت بذلك لنفسه أنه الرجل وأنه المتحكم بها ، ربما يرضى نقص ما داخله بهذه الأفعال.
اتساءل لماذا لا ندع لكل منا مساحته الشخصية ، لماذا لا ندع الإنسان الذي يريد أن يمضي بعض الوقت مع نفسه أن يفعل . هناك نوعان من الأشخاص الإنطوائي (Introvert) والإجتماعي أو الانبساطي ( Extrovert) الشخص الأنطوائي وهذا ليس عيبا كما يظن البعض ولكن هذا هو نمط شخصيته يستمد قوته من الجلوس مع نفسه بعض الوقت ،يريد أن يجلس مع نفسه يرتب أفكاره ،يحدث نفسه ربما يخرج ما بداخله على ورق وربما يظل شاخص في الطبيعة أو ربما سقف غرفته!! 
عندما يكون  الشخص الأنطوائي في علاقة ويريد أن يقضي بعض الوقت مع نفسه فهذا لا يعني أنه يريد أن يبتعد عن صديقه أو زوجه أو زوجته وهذا لا يعني انه لم يعد يحبه ولم يعني انه يجاب أن نرتاب لتصرفاته أو أنه يخطط لشئ ما ، أو ما تفعل بعض الزوجات عندما يخرج زوجها وتعلم انه قضى بعض الوقت مع نفسه فإنها تشك في أمره !! لماذا كل هذا الشك والريبة
هو فقط يريد أن يستجمع قوته وأفكاره ، اذا ظل الشخص الإنطوائي محاط بالناس لفترة طويلة فإنه يفقد طاقته ،يمكن أن يفقد توازنه ، يشعر أنه غير مرتاح يريد أن يبقى وحيدا ربما لدقائق ليستعيد توازنه ويشحن طاقته .
على عكس الشخص الإنبساطي أو الإجتماعي (Extrovert) يستمد قوته من تواجده في وسط أناس كٌثر ، لا يستطيع أن يبقى وحيدا ولا يريد أن يقضى وقتا كبيرا مع نفسه ربما يود ولكن قلما يحدث ذلك ،تراه مفعم بالنشاط في التجمعات ،ينخرط في وسط الناس بسهولة ، تجده منبسط إجتماعي يعتاد على الناس سريعا ، يحب أن يتقرب من الشخص الذي يحادثه على عكس الإنطوائي الذي يحب أن يُبقى مسافة بينه وبين من يكلمه.
يرى الإجتماعي هذا الشخص الإنطوائي أنه ربما يريد التهرب من الناس ، ربما يفكر أن لديه مشكلة ويجب أن يعالجها ، يعتقد أنه يجب أن يكون مثله يحب التجمعات كثيرا والصخب . عندما يكون شخص ما إنبساطي وصديقة أو شريك حياته نمطه إنطوائي فإن لم يتفهم أن هذا هو نمط شخصيته فستكون هناك مشاكل بينهم تتمثل في أن الشخص الإجتماعي على سبيل المثال يريد أن يقضي بعض كل وقته مع شريك حياته ، يحب أن يصطحبه إلى التجمعات الكبيرة دائما على عكس الإنطوائي الذي لا يشعر بالراحة ابدا في هذه التجمعات ويفضل أن يكون مع عدد قليل من الأشخاص وربما يفضل أن يبقى وحيدا لفترة، ولكن إذا تفهم كل شخص نمط شخصية الثاني وترك كل منهم مساحة شخصية للآخر لينفرد فيها بنفسه ، ليمارس نشاط ما وحيدا ، سيكون ذلك أفضل كثيرا وستنمو العلاقات سريعا على عكس ما يظنه البعض أنه يجب أن نكون معا دائما وأن نتهاتف طول اليوم وأن هذا معيار قربنا !!
في كتاب ( النساء من الزهرة والرجال من المريخ ) أشار الكاتب أن للرجل كهف يدخل إليه عندما يواجه مشكلة ما ، أو حينما يفكر في موضوع مهم ويظل شاخص في الفراغ لا يريد أن يكلم أحدا وتنزعج المرآة كثيرا من الرجل وتتساءل فيما يفكر وما الذي يدفعه للإنعزال بنفسه بهذا الشكل ، وتبدأ تضع إفتراضات تبرر بها إنعزاله لفترة، وتحاول جاهدة اخراجه من هذا الكهف إما لإرضاء حب استطلاعها وإما لظنها محاولة مساعدته ! وأشار الكاتب أن محاولة المرآة إخراج الرجل من كهفه يزيد من مدة بقاؤه في الكهف !!
فعندما نتقهم إختلاف أنماط شخصياتنا في الصداقة أو العلاقات الزوجية وأن لكل شخص نمط تفكير وشخصيته وأن طبيعة المرآة تختلف عن طبيعة الرجل ونحترم هذا الإختلاف ونترك مساحة شخصيتة لكل منا ينمو من خلالها فأظن أن العلاقات تصير أفضل وأطول واكثر مودة واتساق.
في زمان أصبحت الحياة مرهقة، صاخبة ، سريعة ، تتلاحق الأحداث لا نلبث أن تلتقط أنفاسنا ، نحتمي في علاقاتنا في الصداقة في العلاقات الأسرية في العلاقات الزوجية ، نريد أن نحتمي بها ، نريد أن نشعر بالدفئ
ففضلا اتركوا لمن تحبون مساحتهم ، اقبلوهم كما هم ، لا ترغموهم على أن يبقوا إلى جانبكم طوال اليوم ، وانتم ابحثوا عن أنفسكم واعطوا لأنفسكم ايضا مساحة شخصية تنفردوا فيها بأنفسكم 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مذكرة فقه اليوم والليلة (مذكرة مكاني )

عن سحر الكتابة اكتب .... (خواطر)