وعلمٌ لا ينفع






يتم الإعلان عن كورس في مجال ما فنسرع إلى تلبية النداء.  بعد التخرج  الكثير مِنا من يفكر في خطوة الماجستير أو الدبلومة أو
أخذ كورسات أكثر لملئ السي في . يوماََ ما كنت من هؤلاء ؛ كان طموحي أن أقوم بعمل ماجستير ومن ثم دكتوراه في مجالي الذي
درسته في الجامعة أو في مجال إدارة الأعمال ( فقد كنت اظن أن هذا فقط ما يستهويني ).
ذات مرة دار حديث لطيف جداََ مع إحدى السيدات ؛فقد كانت تحكي لي عن مسيرتها الأكاديمية وكم من دبلومات وكورسات قد أنهتها
لكي تُتاح لها فرصة العمل في مكان محترم أو بمعنى أوضح لكي تُشغل وقتها في شئ ما بدل الفراغ ، وهي الآن تعمل معلمة في
إحدى جميعات القرآن الكريم مع العلم أن تخصصها وكل شهادتها علمية بعيدة عن العلم الشرعي أو حتى النواحي الادبية .
أُخرى قررت الإنضمام لحلقة تعليم التجويد فانتظمت قليلاََ ثم سمعت عن دورة لتعليم الخياطة فتركت الحلقة والتحقت بدورة  
الخياطة، انتهت الدورة فعاودت لحلقة القرآن مرة أخرى حتى سمعت عن دورة  لغة انجليزية فتركت حلقة القرآن ثانية والتحقت 
بدورة اللغة ! نستوقف قليلاََ ونسألها لماذا تلتحقي بهذه الكورسات وانت ربة منزل عندك اولويات أخرى.
ليس عيباََ أن نستزيد من المعرفة والعلم ونلتحق بالحلقات العلمية التي بها نفعنا ، يظن الكثير مِنا أن كلما ألتحق بعدد أكبر من
الدورات سيكون مثقفاََ وواعياََ أكثر ؛ هذا على صعيد السيدات والبنات اللاتي لم يسعن إلى طلب وظيفة مثلاََ ،و ينسى بعضهن 
خطوة غاية في الأهمية قبل قرار الإلتحاق بأي دورة تعليمية وهي سؤال أنفسهن لماذا اريد أن التحق بهذه الدورة ؟ ما الذي 
سأتعلمه منها ؟ما ترتيب القدرة أو المهارة التي سأكتسبها الآن من هذه الدورة في أولويات المهارات التي أريد اكتسابها ؟
سألتني صديقة ذات يوم حين أعربت لها عن رغبتي في عمل ماجستير في مجال ما ؛عن ماذا بعد عمل الماجستير ؟ فقلت لها اريد 
 أن أعمل في المجال الفلاني ،فقالت لي : وإذا تسنت لكي فرصة للعمل في هذا المجال بدون الماسجتير هل ستظلي تسعين وراء
الماجستير ! شعرت بخيبة أمل قليلاََ داخلي عندما تخيلت أني سأتخلى عن هذه الفكرة ، ظللت بعدها أفكر حقاََ لماذا اريد أن أقوم 
بعمل الماجستير هل فعلا هو السبيل الوحيد لهذا المجال الذي اريد العمل فيه حينها أم الرغبة بأن أُعلن أني اقوم بعمل ماجستير 
فأرى نظرة التقدير التي انتظرها  في عيون الناس ، في لحظة صدق وصراحة مع الذات وجدت أني كنت سأسعى إلى لقب ليس إلى
إلى علم حقيقي احبه واشغف بتطبيقه ، فالعمل استطيع بدأه من الآن بدون الحاجة لإنتظار الماسجتير  أني سأسعى لعلم لا ينفع !!
اتدري ما العلم الذي لا ينفع هو العلم الذي نسعى إليه لملئ العقل بمعلومات نظرية نستطيع إخراجها والتنظير بها وقت الرغبة في
الكلام والإستعراض بالعلم . هو كل دورة تعليمية التحقت بها واخدت شهادة ركنتها في الدرج فلتضيفها إلى سيرتك الذاتية وهي لم
تغير فيك مقدار ذرة ، هو كورس الخياطة التي تلتحق به العديد من السيدات دون أن تفكر بعدها أن تحيك ولو قطعة ملابس واحدة ،
هو كورس اللغة الذي لم يكن له محل من الإعراب في أولويات حياتك ومع ذلك صممت على اخذه رغم علو سعره ، هو الماجستير
والدكتوراه التي سعيت لها لإضافة حرف الدال قبل اسمك ، هو الدبلومة التي قررت أخذها لتستطيع أن تقدم بها على وظيفة مدرس
ومع أول تعامل مع الطلبة لم تطبق أي معلومة مما درستها لأن في يقين ذاتك انت اخذتها فقط للشهادة والإعتراف بك أنك تعرف هذه
المعلومات أما ساعة التطبيق فأنت كما أنت لم يزيد شيئاََ ولم تزد على الحياة شيئاََ.
كانت هذه خاطرة لم أرد ابداََ أن انتقص من قدر أي من يلتحق بأي دورة أو ماجستير أو دكتوراه ولكن اتعجب ممن يسيرون في شارع
 لم يعرفوا لما يسيرون فيه و إلى اين يأخذهم ، فلنستوقف قليلاََ قبل خطواتنا لعلها تكون المنجية .
هو دورة الفقة التي سجلت بها وتعلمت عدد من الأمور الشرعية والفقهية تعينك على اختيارات يومية توافق دينك وانت وانتِ
ما زلتم تفعلون ما أعتدتم عليه في السابق من أسلوب حياة وحديث ومظهر لا يتوافق مع ما تعلمتوه من أمور فقهية جديدة عليكم ؛
ربما سابقاََ لم تكن تعلم ولكن علمك الآن أصبح حجة عليك وشهيد عليك يوم القيامة . فأين العمل ؟
وأُذكر نفسي وإياكم بمقولة أبو حامد الغزالي 
" أيها الولد، العلم بلا عمل جنون، والعمل بغير علم لا يكون، وإذا لم تعمل اليوم، ولم تدارك الأيام الماضية، تقول غدا يوم القيامة، فارجعنا نعمل صالحاََ، فيقال: يا أحمق أنتمن هناك تجيء."


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مذكرة فقه اليوم والليلة (مذكرة مكاني )

عن سحر الكتابة اكتب .... (خواطر)