الجاهلية الحديثة

الجاهلية الحديثة 

كنت استمع إلى البرنامج الحالي الذي اتابعه ؛ برنامج (ديناً قيماً) للدعاة الأكثر تأثيراً في حياتي الدكتور عمر عبد الكافي والدكتور محمد راتب النابلسي ، وبالمناسبة برنامج رائع به معاني لم يتطرق لها أحد من الدعاة الشباب من قبل؛ قمة في العمق والتأثير والتأصييل.
في الحلقة الثانية بعنوان (التطفيف) وفي سياق الحديث قال الدكتور عمر عبد الكافي: "أيام الجاهلية كانت جاهلية ساذجة فصنعوا من التماثيل آلهه واخدوا يعبدونها من دون الله والآن هناك الجاهلية الحديثة فهي جاهلية معقدة ،مفبركة، ذكية ؛ فجعلوا آلهه شتى " هذه الجملة أشفت صدري من غضبي على كثير من سلوكيات الناس في حياتنا ولا أجد لا وصفاً. أريد أن اجمعها تحت سقف واحد لأتكلم عنها فما وجدت عنواناً، فكانت هذه الجملة هي ضالتي .سأقول لك سراً كنت أريد أن أجمع هذه الممارسات تحت مسمى واحد وأكتب عنها وأجد حلاً لها وأكتب عنه لا لكتابة مقال جميل يعجب به كل من يقرأه ولكني كنت أريد أن أٌشربها لنفسي و تستوعبها كي لا تقع في الفخ وأقيم حجة على نفسي الأمارة بالسوء .أن يا نفسي انتي قد قلتي ونصحتي الأخر فلا تكوني جسراً يعبر به للجنة ويُرمى به في جهنم عفانا الله جميعاً. سأسترسل فيما بعد عد الممارسات التي أصبحت شيئاً طبيعياً في حياتنا وتندرج تحت فخ الجاهلية الحديثة .
1- جاهلية الموضة والأزياء 
كنت أريد أن أخص بالذكر هنا النساء والبنات ولكن تذكرت حال الشباب في شوارعنا الآن فكان لا داعي للتخصيص .قبل التفكير في المشكلة والحل نرجع الشئ لأصله .قرأت حكمة من قبل تقول (الماركات هي حيلة إخترعها الأذكياء لإستغلال الأغنياء فصدقها الفقراء " فيا أخوتي ما نحن إلا أُناس وقعنا في الفخ بكل سعادة ورضا بحثاً عن الجمال ربما ؟ ملائمة العصر ؟ تقبل الآخر ؟عقدة الخواجة ؟ أسباب كثيرة وتفسيرات كثيرة تعلل أن تكون الموضة والأزياء آله يعبده أغلب البشر . أسمعك تقول هذه مبالغة شديدة .  بحثت بشكل سريع لأقنعك أننا إلا من رحم ربي أصبحنا عبيداً للأزياء والموضة مع العلم أننا عالم ثالث يعاني من مشاكل إقتصادية كثيرة وأزمة غذائية في كثير من البلدان يأكل فيها الفقراء من الزبالة !
سجلت التقديرات حجم مبيعات مستحضرات التجميل في المنطقة العربية أجمع ثلاثة مليارات دولار عام 2010.
قدر الإنفاق على مستحضرات التجميل في الخليج بحوالي 6 مليارات ريال سنوياً، وفي مصر أكدت دراسة أن النساء يكلفن أزواجهن حوالي 3 مليارات جنيه مصري سنوياً.
هذان عنوانان من موقع إخباري عادي، ربما ما زلت تقول أن هذه مبالغات وأننا أناس عاديون لسنا خبراء اقتصاديين للإهتمام بالأرقام والإحصائيات . حسنا ، سأخبرك بعده مشاهد سريعة رأيتها بأم عيني وعايشتها ومتأكدة أن جميعنا على علم بها.
عندما تنفق الزوجة أو العروسة من 1500 لـ3000 جنيه لعمل بروتين أو كيراتين (وربما يتم اختراع مسميات جديدة قريبا لجلب مزيد من الزبائن) وهؤلاء النسوة من طبقة متوسطة وربما أقل ! يدفعهم ذلك آله اخر من الجاهلية الحديثة سأتحدث عنه لاحقًا ،ومما يثير غضبي أن هؤلاء النساء ربما لم يزرن ولو مرة واحدة طبيب جلدية أو تغذية لعلاج شعرهن بطريقة صحيحة؛ ولكنها الرغبة في التباهي عفانا الله جميعا . وأصاب الشباب والرجال وباء البروتين والصبغة ايضاً فربما تخرج إحصائيات جديدة عن مقدار إنفاق الرجال على مستحضرات فَرد الشعر والجل والصبغة ، الصدمة الكبيرة أن بعد كل تلك المصاريف يصبح شكلهم أسوء مما كان وكل هذه المصاريف الفارغة من أسر متوسط دخلها لا يتعدى 2000 جنيه في أفضل الأحوال، يعني أنهم ينفقون المال ليشوهوا خلقة الله! والله إنه أمر عجيب! .وقد تنتهي إحداهن من جلسة البروتين ذات 1500 جنيه كأقل تقدير وتشتكي من ضيق العيش وزيادة الأسعار والمواصلات والأكل الذي لا يكفى والأثات الذي اصبح بالياً ،مع أن هذا المبلغ اذا أُضيف لميزانية المنزل بالطبع يكون الحال أفضل ولكنها الرغبة في الشكوى والتذمر أفه في مجتمعنا العربي .
البنطلون الجينز العادي في المحلات العادية يبدأ سعره من 150 جنيه في المتوسط فأعلى على حسب الجودة ،بينما البنطلون المقطع على الركب في السابق والآن اصبح كقطع متفرقة تم تجميعها لتشكيل قطعها واحدة! يتراوح سعره حتى في المحلات الشعبية من 250 على أقل تقدير ويصل لـ450 فأكثر في التوكيلات .ونأتي للمنظر العام (اللوك يعني) ؛ نجد أن لو ارتدته بنت فالفطرة السليمة تعف عن أن تسير في الشارع بهذا المنظر والفطرة السليمة في الذوق العام والشكل تشمئز من المنظر ايضاً ،أما بالنسبة للرجال والشباب فلا أبالغ أن اقول لك أنه من أكثر المناظر المشمئزة التي رأيتها في حياتي بعد منظر البنطلون الساقط .
من 6 سنوات كنت أشاهد youtubers أجانب تستعرض فيه البنت مشترياتها من الميك أب والملابس وسلاسل تعليمية لتعليم وضع الميك أب والوصول لدرجة الهوس ،فكانت الواحدة منهن تستعرض مشتراياتها كل شهر من الملابس فقط لو ارتدت كل يوم قطعة جديدة لمدة 3 شهور أو أكثر يمكن أن تبقى قطع أخرى لم ترتديها بعد وبأسعار عالية ومشتريات مستمرة من الميك أب يكفي لفتح منفذ بيع وكسب الألوفات منه. وبعدها بفترة تجدها تصور فيديو آخر أنها تريد أن تتخلص من المنتجات السيئة التي اشترتها بمئات وألوفات ، ثم فيديو آخر لتنظيم المنتجات التي من كثرتها تنسى مكانها وتنسى أنها اشترتها ،إنها (حمى الشراء ) .
كنت أقول أنهم لا يعانون مثل مجتمعنا ومرفهين وعندهم هوس بالموضة ،وبعد أن انتشرت قنوات اليوتيوب الشخصية في عالمنا العربي كانت المفاجأة وجدت البنات من الدول العربية مشترياتهن نفس النوع ،نفس الهوس ،نفس حمى الشراء مثلما نقول في مصر (حافظ مش فاهم ) شراء أي شئ حتى لو كان لا يليق بهن ، اقنعت نفسي أن ربما تستخدم كل المنتجات ،فطلعت إحداهن بفيديو تنظم فيه دولابها وتفرز الملابس لتتخلص مما لا تريده فكانت الصدمة الثانية بالنسبة لي أن هناك قطع كثير بتكيت الشراء! كانت تستعرضها في الفيديوهات من ضمن المشتريات ونسيت أن تلبسها وأنها اشترتها وهناك من يموتون من البرد !! ما هذا العالم !!
استطردت كثيرا في هذه النقطة لذلك سأكتفي بنقطة واحدة في كل مقال تحت سلسلة (الجاهلية الحديثة ) 
وأخيراً ردا على هؤلاء ممن يرون أن أي أحد ينتقد الهوس بالأزياء والموضة والسير وراء الرائجة أن هؤلاء معقدين ومبالغين، أقول أن الله خلقنا خِلقة حسنة فالأصل في الجمال فينا داخلياً أو خارجياً فيكون الهدف هو الحفاظ على هذه الفطرة وعدم ممارسة العادات التي تفسد هذه الخِلقة الحسنة والرجوع للأصل وتطبيق سنن الفطرة التي حثنا النبي صلى الله عليه وسلم عليها ،والنظر للنفس على أننا إنسان متكامل ليس شكل فقط ،الإهتمام بقواعد النضافة الأساسية ليأتي التعطير كلمسة تزيد الإنسان جمالاً ، بالإهتمام بالأكل والتغذية فالشكل الخارجي انعكاس لأسلوب حياتنا ، والأهم على الإطلاق الرضى بما نحن فيه .فيا عزيزتي إنها ليست نهاية العالم أو الأزمة الكبرى أن شعرك مجعد وليس مفرود ! ربما أنتي من تشاهدين الممثلة الفلانية ذات الشعر الكيرلي وتكتبين القصائد في جمال شكلها ! ومن أشهر الممثلات في هوليود بشرتهن سمراء (بالمناسبة لا أجدهن مثالا يحتذى به ولكن يعتبرهن البعض مما اتحدث عنهن أيقونات الجمال ) ،ليس معنى ذلك أنك ترضى أن لا تطوري ؛ بالعكس ارضى بشكلك واشعري واشعر انت ايضاً أن الله خلقنا على أفضل حال حينها يشعر الإنسان بعِظم ما عنده ويبذل الجهد ليحافظ عليه ويحسنه واُذكر نفسي وإياكم بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم 
عن أبي الأحوص عن أبيه قال: 
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب دون، فقال ألك مال، قال نعم، قال من أي المال، قال قد آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق، قال فإذا أتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته
. وهو حديث صحيح. 
إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ولكن بما يرضيه لا بما يحاسبنا الله علينا يوم أن نقف بين يديه .
شرح الحديث :
https://goo.gl/4jH7XB

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مذكرة فقه اليوم والليلة (مذكرة مكاني )

عن سحر الكتابة اكتب .... (خواطر)