2-أمراض النفوس في الطب النفسي(دورة أمراض النفوس وأعراضها) د.آدم صقر

سنتكلم هنا عن علم النفس وأمراض النفوس في سياق علم النفس الغربي

موضوعات هذه المحاضرة:

تاريخ
تعريف المرض النفسي
نظام التصنيف الوصفي
DSM 5

تاريخ تصنيفات الأمراض النفسية:

تاريخ التصنيفات والتسميات قديمة منذ قدم الإنسان من قبل الميلاد بـ300 و400 سنة ،يتكلمون أن أمراض النفس البشرية ويسمونها بتسمينات معينة
مثلا : تكلم أبقراط عن تسميات مازالت موجود بعض منها مثل (الهيستريا) (الهوس)(المانيخوليا)(الصرع) 
فالبحث في هذه التسميات بحث قديم جدا ، فكثير من التسميات الموجودة في علم النفس الغربي الآن هو تابع للثقافة اليونانية سابقاََ 
فللأسف كثير من كتب علم النفس الغربي تمر على عصر ما قبل الميلاد مرور سريع ثم تنتقل مباشرة إلى عصور الظلام بشكل سريع ايضا ثم تنتقل إلى عصر النهضة وكأن خلال هذه الفترة لم يكن هناك بشر اصلا !! ولم يكن هناك نظريات أخرى في مناطق أخرى من العالم، لأنهم يعتبرون تاريخهم هو التاريخ فهذا انحراف منهجي في المنهجية العلمية ؛فيذكروا عصر الإغريق ثم ينتقلوا مباشرة إلى عصور النهضة يعني من قبل الميلاد إلى 1600-1700

ادخل كل عصر أسلوبه وثقافته فاليونانيون كان لهم صبغتهم الخاصة كذلك الهنود،المصريون القدامي وكذلك كل ثقافة كان لها صبغتها الخاصة في بحث المسائل النفسية.

في خلاصة سريعة: عصور النهضة صار فيها تعلم على العلوم الطبيعية بشكل أفضل وصار فيها حركة إستشراقية تعرفوا فيها على كثير من علوم المسلمين ،وأصبح هناك نزعة لتغليب المسائل المادية خاصة مع الثورة الصناعية 

تعريف الاضطراب العقلي (المرض النفسي) في DSM5 
أي مرض بأعراض نفسية وسلوكية شديدة ،مرتبطة بألم أو إنزعاج أو إعاقة في الحياة.
هو اضطراب في القدرات الذهنية أو ظبط المشاعر أو السلوكات (أفكار، مشاعر،سلوكات) أو مجموعة منهم.
يؤدي إلى إعاقة أجتماعية أو معنية أو أي إعاقة حياتية مهمة.
يشير إلى خلل في العمليات النمائية أو البيولوجية أو النفسية المؤدية إلى اضطراب.

مثال1: إنسان عنده سلوك أنه يتجنب المواقف الإجتماعية (سلوك سلبي لأنه يتجنب لا يفعل شئ) هذا السلوك إذا أدى إلى إعاقة اجتماعية أو مهنية فهذا اسمه (اضطراب نفسي)

مثال2: إنسان عنده فكرة أنه أقل من غيره وأن الناس دائما يتكلمون عليه. مشاعره:يشعر بالحزن والفراغ احيانا. سلوكيته: لم يعد يأكل الأكل المناسب، لم يعد يركز ؛ فأدت هذه الثلاث إلى إعاقة في حياته، أصبح مثلا لا يذهب إلى العمل ولا يؤدي وظائفه الإجتماعية بشكل مناسب فهذا يسمى (اضطراب نفسي)

مثال3: إنسان يشعر بحزن شديد جدا ولكن رغم ذلك يقوم بوجباته ،لم يحدث له شئ من إعاقة الحياة؛ فهذا بشكل عام لا يعتبر اضطراب 

مثال4: طفل أصبح عمره 10 سنوات ومازال يعاني من التبول اللا إرادي فهذا يعتبر (اضطراب نفسي) لأنه نتيجة عن بيولوجيا الإنسان

كيف نصنف هذه الأمراض النفسية؟

التصنيف هو عملية تبسيط توصيف الظواهر من خلال ترتيبها في فئات وفقاََ لبعض المعايير، وذلك لعدة أهداف
فالتصنيف يجعلنا نجمع مجموعة أعراض سويا نجعلها متعلقة باضطراب ما 

في الوقت الحاضر يتكون تصنيف الإضطرابات النفسية من اضطارابات من اضطرابات محددة في فئات مختلفة على أساس بعض الخصائص الظاهر المشتركة.

هناك تفريق بين علم النفس وطب النفس: فعلم النفس هو الباب الواسع فهناك (علم نفس نمائي، اجتماعي، مهني، العسكري، التعليمي..) من علم النفس هذا هناك ما يتعلق بطب النفس وأمراض النفوس 

الغرض النهائي من التصنيف هو: تحسين العلاج ونستطيع القيام الوقاية؛ فهذا يسمى تصميم (بارجماتي)؛ أي أن هذا التصنيف غرضه المساعدة على العلاج وليس لأن على سبيل المثال اضطرابات القلق متشابهة مع بعضها حقيقةََ. 

الأصل المثالي ان يستند الاضطرابات على معرفة المسببات أو الفيزولوجيا المرضية لأن هذا يزيد من احتمال تحسين العلاج والوقاية؛ لأن الأسباب الحقيقة غيرمعروفة، لكن لم ينتج علماء الأعصاب بعد بيانات دقيقة لتصميم نظام تشخيصي يعتمد على المؤشرات الحيوية التي تُمكن من تشخيص الأمراض النفسية على أساس الأسباب والأعراض؛ لأنك مهما وجدت من التغييرات مادام ليس هناك تغييرات في (المشاعر،السلوك،الأفكار) فلا يُعتبر اضطراب 
مثال: إنسان عنده السيرتونين ناقص (السيريتونين هو إحدى النواقل العصبية) فاستطعنا فحص مستوى السيراتونين في دماغه. فهل نستطيع تشخيصه أن لديه اكتئاب؟ لا ، ممكن لديه نقص لكن ليس لديه أعراض 
لأن الإكتئاب له أعراض مثلا حزن شديد ، نقص شهية للأكل.... فليس هناك مؤشر بيولوجي دقيق لفحص الأشياء النفسية.
لذلك تشخيص الاضطرابات النفسية على الملاحظات السريرية لمجموعات من العلامات والأعراض التي يتم تجميعها معاََ ويتم على أساسها التشخيص ؛ فهناك مجالس طبية عالمية معتبرة اجتمعت وسمت هذا الشئ اكتئاب ،وهذا قلق عام ؛ إذا فهي أوصاف اجتمع عليها بعض المختصين

لماذا نقوم بالتشخيصات مادام ليس لدينا أشياء يقينية مئة بالمئة؟ هناك فائدة مهمة للتشخيص لأن التشخيص تميز كل تشخيص عن الآخر فالإنسان الذي لديه قلق ليس كمن لديه اكتئاب وهذا يجعلنا أكثر فاعلية 
فإذا قام مختص بتشخيص شخص بأن لديه اكتئاب وقامت شركة أدوية بعمل دواء للإكتئاب فاصبح لديهم لغة مشتركة لتعريف ماهو القلق ؛إذا فهو لتوفير لغة مشتركة بين المتخصصين
استكشاف للأسباب غير المعروفة حتى الآن للعديد من الإضطرابات النفسية

أنظمة التشخيص العالمية:
هناك نظامين أساسين معروفين بشكل عام في العالم
DSM5 of APA : The Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders  وهو المنتشر في العالم الآن وفي بلادنا العربية بشكل أساسي 

 ICD11 of WHO: هو تابع لمنظمة الصحة العالمية وليس فقط للإضطرابات النفسية ولكن ايضا للأمراض العضوية الأخرى

وهناك تصنيفات مختلفة بحسب النظريات 

صفات نظام DSM 5:

  • نظام التصنيف هو منهج وصفي بمعنى هي أوصاف وليست حقائق (لا نستطيع الجزم بأنها حقائق )يعني على سبيل المثال: هناك مجموعة أعراض تُسمى اكتئاب ،فهل هناك شئ يُسمى اكتئاب مختلف عن شئ اسمه قلق؟! نحن لا نعرف ماحقيقة الأمرين والكتب العلمية المحترمة تعترف بهذا ،حتى كتاب DSM الأساسي يعترف بهذا. نحن نحاول من خلال الدراسات اولاََ بأول أن نفصل في هذا لكن بشكل أساسي المنهج التوصيفي هو منهج وصفي

  • فهناك معايير، فلكي يتم تشخيص الاكتئاب يجب أن يكون هناك عدة معايير؛ يجب أن يكون الشخص مر عليه أسبوعين عنده 5 على الأقل من مجموعة أعراض الإكتئاب (المزاج السئ، عدم الرغبة بالأشياء التي كان الإنسان يستمتع بها سابقاََ) وهناك أعراض أخرى، ولكن هكذا تُشخص الأمور.

  • وهناك وصف منهجي ندرس فيه كم مثلا نسبة الإكتئاب في العالم بشكل عام ،وهل تختلف ثقافة عن ثقافة؟ هل نسبة الإكتئاب في النساء أكثر أم الرجال؟ هل هو متعلق باضطرابات أخرى مثل القلق واضطرابات شخصية؟... وهكذا

اذا نظام DSM-5 هو دليل تشخيص وليس كتاباََ مدرسياََ، فهو لا يذكر أي من نظريات الأسباب أو المعالجة أو الدواء أو القضايا المثيرة للجدل ولذلك هو متاح للبحث والنقاش 
فهو يصف 22 فئة رئيسية من الإضطرابات النفسية داخلها أكتر من 150 فئة منفصلة من الأمراض تصل إلى 500 تشخيص.

ملحوظة: قد لا يعني غير المختص كل هذا التفصيل ولكن يجب أن تعرف أنهم صبروا على منهجهم الذي هم يعترفون فيه بأنه كثير التخبط وليس فيه المعرفة اليقينية ، ولكن يستخدمونه لكي يصلوا إلى الرفاهة البشرية وأن يصير الإنسان أفضل  ومع ذلك صبروا فيكتبون 500 تشخيص مصنفة عن 150 فئة منفصلة من الأمراض مصنفة عن 22 فئة رئيسية.
فعندما نذكر لاحقاََ تصنيفات علماءنا(علماء المسلمين ) صنفوا كثيرا في أمراض النفوس وتصنيفاتها ومشاكلها ولكن كثير من الناس لا يصبر على تصنيفات علمائنا لكنه يصبر على 500 تشخيص الغربي !!

DSM5 هو الإصدار الخامس كان قبله عدة إصدارات ،فالإصدار الأول مثلا قام 7 أشخاص عمل هذا الإصدار الأول في الخمسينات ،كانت عبارة عن 32 صفحة كتبوا بها 108 اضطراب، فين حين الإصدار الخامس كان الأعضاء الرئيسين هم 26 عضو أساسي وهناك مئات من المشاركين معهم وأصبح ما يزيد عن 400 اضطراب صنفوه في 1000 صفحة !!


تقسيمات DSM-5: 

-اضطرابات النمو العصبية (المتعلقة بشكل أساسي بالأطفال)
-اضطرابات طيف الفصام والإضطرابات الذهانية الأخرى وهذا ما يسمى (بسكيزوفرينيا )وهي الفصام أو الذهان.
-اضطرابات ثنائي القطب والإضطرابات ذات علاقة (تسمى ثنائي القطب نسبة إلى قطبين الإكتئاب وعكس الإكتئاب)
-الاضطرابات الإكتئابية
-اضطرابات القلق
-اضطرابات الوسواس القهري والاضطرابات ذات العلاقة
-الاضطرابات المتعلقة بالصدمة وضغوط نفسية
-الاضطرابات (الإنشقاقية) الفصامية
-اضطراب الأعراض الجسدية والإضطرابات ذات العلاقة
-اضطرابات التغذية والأكل
-اضطرابات الإخراج
- اضطرابات النوم واليقظة
-الإختلالات الجنسية(اختلالات الوظيفة الجنسية)
-الضيق الجنسي (اضطارابات الهوية الجنسية)
-اضطرابات التخريب (التعطيل)أو ضبط الإندفاعات والسلوك
-اضطرابات خاصة باستخدام المواد المخدرة أو الكحول
-اضطرابات عصبية-ذهنية(المرتبطة بالخرفأو القدرات الذهنية)
-اضطرابات الشخصية (الفرق بينها وبين باقي الإضطرابات أنها مزمنة)
-اضطرابات الإنحرافات (الشذوذات الجنسية)
-اضطرابات عقلية (نفسية) أخرى (فالذي لا تستطيع تصنيفه تحت هذه الاضطرابات يتم وضعه هنا لإستمرار البحث العلمي)
- اضطرابات حركة ناتجة عن أدوية وأعراض جانبية أخرى 
-حالات أخرى قد تكون محط اهتمام عيادي (سريري)

سؤال: ماهو سبب الإضطراب النفسي ؟
كل إنسان يحترم العلم الآن في الأطباء النفسيين يقول كلمة واحدة مجمعين جميعاََ وهي؛ أن الإضطرابات النفسية Multi factorial متعددة العوامل المسببة ؛يمعنى لا يوجد عامل واحد مسبب لهذه الأضطرابات ولكن توجد عوامل مسببة . في بعض الإضطرابات قد تكون هناك عوامل مسببة أكثر من غيرها ولكن في الأخير كلها عوامل مسببة.

من هذه العوامل المسببة:-

- الإستعدادات الجينية (مثال هناك استعداد جيني عند بعض الناس لأن يكون عنده اكتئاب أكثر من قلق)
ملحوظة: هل معنى هذا أن الإضطرابات النفسية أمراض جينية؟
لا ؛ لأن المرض الجيني معناه إذا حصل مشكلة في هذا الجين يحصل المرض وهذا لا يحصل ابدا في الاضطرابات النفسية ولكن يحدث أن إنسان معين ممكن يكون عنجه الجين فيزيد من نسبة اصابته بالمرض.

-عوامل بيولوجية، جسدية (التغذية، طبيعة الجسد، النواقل العصبية، التارات العصبية، المستقبلات العصبية )

-التجارب المبكرة أثناء الطفولة

-عوامل النماء (التغذية)

-طبيعة الشخصية

كان هناك نقاش قديم بين العلماء ؛ما الذي يسبب الأمراض النفسية هل هي الطبيعة أم العوامل المحيطة ؟
وجد العلماء بعد ذلك أن لا نستطيع تغليب بعضها على الآخر؛ لأن كلا الأمرين عامل مسبب. وهذا يدخلنا لعامل مهم عند أهل السنة والجماعة وهو مبدأ (تعدد الأسباب)
حيث المسلمون بؤمنون أن الشئ يحدث بعدة أسباب وهذه الأسباب تتعدد فهذا شئ نتفق فيه مع الغربين، ولكن هناك مشكلة في السياق الغربي أن هناك أسباب لا يعترف بها لأنها لا يعلمها مثل الأسباب الغيبية؛ حيث أن هناك أسباب متعلقة بالغيب ، بقدر الله (عزوجل)، متعلقة بالذنوب ،متعلقة بزيادة الإيمان ونقصه، متعلقة بعالم الغيب من الملائكة والجن والعين والسحر، ورأس الأسباب تقدير أقدار الله (سبحانه وتعالى)؛ فهناك عدة أسباب لتكون ذات الشئ وهذا ما يغفل عنه كثير من الناس.

واحدة من الأسئلة المهمة التي يجب طرحها: أن من المتطرفين من يقولون أن بما إن الإكتئاب يكون به مشكلة بالـ(سيريتونين) وهذا فعلا حقيقة أن من لدية اكتئاب يكون لدية نقص في السيريتونين ويكون هناك مشكلة في النواقل العصبية وفي بعض التارات الدماغية، بل إذا تم إعطاءهم أدوية وتم تحسين هذه النواقل والمستقبلات العصبية ستتحسن الأعراض؛ فإذا السبب هو التارات والمستقبلات العصبية!!

الرد: كل الكلام السابق كان صحيح ماعدا الإستنتاج الأخير فإنه ليس بصحيح وهذا ما يسمى (مغالطة منطقية) لأن النتيجة ليس لها دخل 

مثال: إذا كان هناك شخص يسير في الشارع وجاء شخص آخر وسبه فسيغضب هذا الشخص الأول، وإذا تم فحص دمه سنجد أن النورادرينالين (وهو إحدى النواقل العصبية) سيكون هناك مشكلة وارتفاعا فيه، فهل هذا معناه أن الإرتفاع في مستوى هذه النواقل العصبية هي سبب العصبية!! 
وإذا تم اعطائه دواء يهدئ من النورادرينالين عنده سيهدأ ؛ فهل هذا دليل أن السبب هو النوادرينالين ؟!! .. لا !

المقصود: أننا نعترف بالعلم وبالأسباب العلمية ولكننا نكفر بالغباء ونرفضه لأن (المؤمن كَيِس فَطِن) المؤمن عاقل لا يُضحك عليه ، نعم هناك علم نحترمه ولكن النتائج المبنية على هذا العلم يجب أن تكون صحيحة .
ولكن هناك ايضاََ أناس يبنون نتائج باطلة على حقائق، مثل كثير من الناس يعتقد أن كل مشكلة سببها عين ومس وسحر وهذا لا يجعل كل مشكلة مع الناس سببها العين والمس والسحر؛ فهذه مصيبة !!

مراجعة سريعة: تم سرد مقدمات في أمراض النفوس وأعراضها، مقدمات عامة حول مدرسة علم النفس وطب النفس الغربي وفروقه الأساسي عن فقه النفس وكيف أن المدرسة الغربية تغلب الجسد وتُغلب المصلحة الإنسانية المادية فقط ، في حين أن المدرسة الإسلامية تتكلم عن الإنسان بجزئية الجسد والروح وبأن هناك غاية من الخلق ونتيجة لهذا سيكون هناك اختلاف في تعريف النفس، والمرض النفسي والصحة النفسية 

الجزء الأول من المحاضرة الأولى:مقدمات مهمة في أمراض النفوس وأعراضها بين الطب النفسي وفقه النفس (د. آدم صقر)




تعليقات

  1. الردود
    1. شكرا جزيلا ،تم إكمال المقال فهذا سرد لأهم النقاط في حلقة من حلقات دورة أمراض النفوس بين الطب النفسي وفقه النفس وإن شاء الله سُأكمل

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مذكرة فقه اليوم والليلة (مذكرة مكاني )

عن سحر الكتابة اكتب .... (خواطر)